السبت، ١٨ نوفمبر ٢٠٠٦

التحرش والنظام





في عددها الصادر يوم 29/10/ 2006 نشرت جريدة المصريون خبر يقول :
[ندد مركز الجنوب لحقوق الإنسان بتقاعس الأجهزة الأمنية عن القيام بواجبها إزاء عمليات التحرش وانتهاك الأعراض التي تعرضت لها العديد من الفتيات طوال أيام عيد الفطر في أماكن مختلفة من القاهرة وتحديدًا في منطقة وسط العاصمة أمام سينما مترو وشارع عدلي وميدان طلعت حرب وكورنيش النيل أمام ميدان عبد المنعم رياض0
ورصد المركز قيام مجموعات كبيرة من الشباب بالتحرش بالفتيات والنساء خلال أول وثاني أيام عيد الفطر بصورة وحشية وصلت إلى حد تجريد بعضهن من الملابس تحت سمع ومرأى من أفراد الأمن]0
وهنا أنا لن أعلق على الأسباب التي دفعت بالمئات من شباب مصر للقيام بهذا الفعل المذموم فدوافعهم ليست بعيدة عن الأمراض التي بُليت بها مصر ذاتها , بليت بها سياسيا واقتصادياً واجتماعياً 0
لكن أحب أن أوضح أن موقف الحكومة المتمثل في تخاذل الشرطة هو موقف سياسي اتخذه النظام المصري منذ سنوات , موقف يستند إلى نظرية الملهاه السياسية , ونظرية مالتس الإقتصادية , فالنظام الديكتاتوري قرر أن يلهي الشعب عن السياسة, فبعد أن بلغت الأمور ذروتها, وأصبحت مصر حبلى بالثورة , ثورة جياع , ثورة فقر , لا ثورة سياسية تهدف لتحقيق فرضيات أكثر رفاهيه من حال الشعب الحالي فالديمقراطية والحرية صارت ومنذ أعوام قليلة فقط مطالب قاصرة على النخبة والنخبة فقط , النخبة اقتصادياً , وأعني بهذه النخبة من يتعدون خط الفقر المدقع الذي يعاني منه الشعب المصري لا النخبة الإقتصادية الحاكمة 0
خوف النظام إذا هو من ثورة الجوع ثورة ضد الفقر والفساد ثورة ضد التهميش الإقتصادي , وهذا الخوف كان الباعث لدى النظام ليوحي سواء بقرارات مكتوبة أو شفهيه أو تلميحات عليا في صورة رغبات وأحلام سعادتك أوامر قبل سعادتك ما تنطق , إلى السلطة التنفيذية والهيئات الرقابية بالتخلي عن المثل الإجتماعية , والتنازل عن المسلمات البديهية حتى تُمتص ثورة الفقراء , انه اشباع بديل , اشباع من قبيل مسح الزور , من قبيل فعلت شيئا ضد النظام , أي انتقمت منه وفي واقع الأمر الشعب المكلوم فعل شئ ضد نفسه , وأوقع نفسه في شرك الخطأ في شرك محاسبة الذات عند جلد النظام , فهو – مرتكب الاشباع البديل الذي وفره النظام – عندما تزداد حالة السخط عنده على الأوضاع الخطأ والمهينه التي يقوم بها النظام في حقة , يتذكر أنه هو قام بشئ مثل هذا ليس مثله كهو هو , لكن في ذات الوصف قد يشترك, كما أن هذا الأشباع البديل أصبح بمثابه ملهاه سياسية وإقتصادية للشعب الفقير , فكرة القدم التي كانت ملهاة السياسة لا تصلح وحدها ملهاه للفقر المدقع , لكنها بالإضافة إلى الإشباع البديل ملهاه حقة 0
الملهاه بدأت بالسماح بالرشوه والإكرامية كحق أساسي أو هو يبدو كذلك للموظف الفقير المعدوم , الذي تفضل عليه أحد الوزراء الكرام في حكومة تنظيف (نظيف) جيب المواطن وقال ان حد الفقر في مصر 45 جنيها في الشهر للفرد , وبالتالي فان من يحصل على مرتب أعلى من هذا كعائد للفرد في الحكومة فهو فوق خط الفقر , وتصوروا 1.50 جنيه في اليوم هو خط الفقر في مصر , يعني المواطن يركب الميكروباس أو الأتوبيس ويقعد يدعي للحكومة ويبوس ايده وش وشعر!0
المهم في موضوع عمليات التحرش هو أن الحكومة ذهبت إلى أبعد مما ذهب إليه مالتس في نظريته الإقتصادية الشهيرية المتعلقة بالإرتباط بين زيادة ضغط العمل وقله الدخل من ناحية , وزيادة السكان من ناحية أخرى , وعامل الربط الذي أوضحة مالتس هو أن زيادة ساعات العمل مع تقليل الأجر يرهق العامل ذهنيا وبدنيا بحيث لايستطيع معاشرة زوجته , وبالتالي التقليل من الزيادة السكانية وما تشكلة من خطر على الموارد الطبيعية ,التي لاتتناسب زيادتها مع الزيادة المضطردة للسكان 0
الحكومة المصرية خطت خطوة أخرى في الرؤية المالتسية للإنسان الآلي إذ هي رأت أن إطلاق الحرية الجنسية , والسماح بتداول الشرائط والصور الجنسية , بل والسماح بالعلاقات والزواج العرفي , والتغاضي عن المعاكسات وبعض حالات التحرش والاغتصاب خصوصاً الجماعي منها كما في حادث وسط البلد, رأت في كل هذا وسيلة جديدة لإلهاء الشعب عن المطالبة بحقوقة , فشرعت في تشجيعة بالصمت تارة , وبالتشجيع الخفي تارات أخرى عن طريق توفير الظروف الملائمة لدفعة وتشجيعة على ذلك 0
كلمة أخيرة : إن زيادة الفوضى , وتزايد معدل الجرائم الاجتماعية والإقتصادية , خصوصا تلك التي تحمل صيغة مستهجنه, مقدمة للانفجار الشعبي , وها هي مصر حبلى بالثورة , فمتى المخاض , وترى من أيضاً سيدفع ثمن هذه الحالة 0

ليست هناك تعليقات: